.2 . توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية
الإيمان بالله رباً يعني اعتقاد انفراده سبحانه:
(أ) بالخلق، والرزق، والتدبير، والإحياء، والإماتة، والضر، والنفع, قال تعالى:
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ [يونس:31، 32].
(ب) وبالمِلك والمُلك التام: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:88، 89].
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1].
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر: من الآية13].
(جـ) وبالأمر، والنهي، والتشريع، والسيادة: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: من الآية54].
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة: من الآية31]
أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: من الآية21].
ومن مظاهر الشرك في الربوبية أن يعتقد مع الله أو من دونه سبحانه رازقاً أو ضاراً نافعاً كالاعتقاد في أصحاب القبور أنهم يقضون الحاجات ويسمعون الدعوات.
ومن مظاهره كذلك اعتقاد أن الإنسان يملك نفسه فهو حر مع أوامر ربه إن شاء قبلها وإن شاء ردها حتى جعلوا حرية الكفر والطعن في الدين من أساسيات حقوق الإنسان بزعمهم.
والإيمان بالله إلهاً لا إله إلا هو لا شريك له في ألوهيته:
يعني توجه العبد بكل عبادته وأفعاله الظاهرة والباطنة لله وحده, والكفر بكل ما يُعبد من دونه من الطواغيت, فالإله هو المعبود والمطاع, والذي تميل إليه القلوب وتشتاق إليه: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى [البقرة: من الآية256].
قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162، 163].
والشرك الأكبر الذي لا يغفره الله هو:
صرف أي عبادة من العبادات لغير الله: سواء كان ملكاً أو رسولاً أو ولياً فضلاً عما دون ذلك من الأحجار والأشجار والقبور حتى ولو على سبيل التوسل.
ومن ذلك الدعاء والاستغاثة وطلب المدد من الأموات والغائبين:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5، 6].
وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ [يونس:106، 107]
ومن ذلك الذبح لغير الله، قال تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله" .
ومن ذلك النذر للقبور والصالحين: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [البقرة:270]، فالنذر عبادة و صرفها لغير الله شرك.
ومن ذلك نسبة علم مفاتح الغيب إلي الأنبياء أو الأولياء أو الكهان أو العرافين أو المنجمين، واعتقاد أنهم يُصَرِّفون الكون, قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [الأنعام: من الآية59].
إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]. وهذا شرك في الربوبية, وإذا أضاف إليه اللجوء إليهم ودعاءهم ليضروا أو ينفعوا فقد زاد فيه شركاً في الألوهية, كمن يأتي السحرة والكهان ليسحروا له ويخبروه عن مستقبله, قال تعالى: وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ، إلي قوله تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ [البقرة: من الآية102].
وسبب البلاء: الغلو في الصالحين, وبناء المشاهد والقباب والمساجد على قبورهم, والتمسح بها, والطواف حولها, وقد سد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الباب بقوله: "ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" ، وقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" يحذر ما صنعوا , وأمر بهدم كل قبر مشرف (مرتفع)، فالمسلم الحريص على التوحيد يتجنب الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور سداً لذريعة الشرك.
والشرك الأصغر هو:
كل ذريعة وسبب يؤدي إلي الشرك الأكبر: كتعليق الخيوط، والحلق، وحدوة الحصان، والخرز، والودع، والتمائم، والأحجبة علي أنها أسباب لدفع العين والحسد والشر, أما لو اعتقد أنها بذاتها تنفع أو تضر فهذا شرك أكبر في الربوبية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن تعلَّق تميمة فلا أتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع له الله".
وحديث: "من تعلَّق تميمة فقد أشرك" .
ومن ذلك التطير (التشاؤم والتفاؤل بالطيور أو غيرها) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الطيرة شرك" .
ومنه التوسل البدعي: بأن يقول للميت: (ادع الله لي) أو (استغفر لي)، أما لو قال له: (أغثني) أو (اغفر لي) فهو شرك أكبر وهو توسل شركى .